قال محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، أن الوديعة التي تم توقيعها مع الجانب السعودي تُعد جزءاً من الدعم المُعلن من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مشيراً إلى إن الوديعة المقدمة شملت 2 مليار بالمناصفة دعماً لاستقرار العملة الوطنية والتحكم بالأسعار وتعزيز الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي.
وقال خلال المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معه قناة اليمن الفضائية الرسمية، أن هذا الدعم سيكون له الأثر الكبير في إعطاء البنك المركزي القدرة والقوة والمساحة الكافية للتحرك وتحقيق الاستقرار في سعر صرف العملة الوطنية والتحكم في الأسعار ومعدلات التضخم وهو الأمر الذي سيمنح الحكومة مساحة كافية لمواصلة الإصلاحات المطلوبة بحسب حديث المحافظ.
وأشار إلى إن الوديعة ستُمثل متنفس للحكومة والبنك المركزي معاً لمواصلة الإصلاحات ولكنها ليست الحل، إذ أن الحل يتمثل في الاعتماد على موارد البلد إلى جانب معالجة الاختلالات وتعظيم الاستفادة من الموارد الموجودة والتركيز على الإصلاح في أوجه الانفاق خاصة الانفاق غير المنتج.
وأضاف محافظ البنك المركزي اليمني، أن الوضع الاقتصادي في اليمن نتيجة تراكمات الحرب وما قبلها من اختلالات هيكلية، المشهد يُوصف بالكارثي من قبل صندوق النقد والبنك الدولي والمنظمات الإنسانية، إذ ان معدلات الفقر تفوق %80 بينما 19 مليون شخص بحاجة للأمن الغذائي.
ويضيف المحافظ، أن معدلات التضخم تتراوح بين 40-60%، فيما احتياطات البلد الخارجية في أدنى مستوياتها، كما إن الناتج المحلي الإجمالي خلال سنوات الحرب أنكمش إلى 48% نتيجة انعدام الاستثمار وغياب الصيانة للموارد والمرافق التي تضررت بفعل الحرب.
وأفاد أن الدولة تعمل بموازنة تُقدر بـ %10 مما كان يُعمل بها قبل الحرب، إضافة إلى ضرب ميناء الضبة والنشيمة النفطيتين أحرم الدولة من %70 من موارد الموازنة والدخل الكلي للبنك المركزي من العملات الأجنبية، إذ أن تحويلات المغتربين تمثل الجزء الأكبر من احتياجات البلد بالنسبة لتمويل ميزان المدفوعات. غير أن موارد الدولة في أدنى مستوياتها وفق حديث محافظ البنك المركزي نتيجة عدم توفر القروض والمساعدات منذ بداية الحرب والتخلف في السداد لمعظم الدائنين مع هيئة التنمية الدولية.
وتابع؛ أن الوديعة إلى جانب الموارد الأخرى والـ 300 مليون دولار المقدمة من قبل دولة الإمارات التي نأمل باستكمال رفدها للمبلغ، إلى جانب السياسات الاحترازية التي أُقِرت منذ أول اجتماع لأعضاء مجلس إدارة البنك المركزي منذ بداية عام 2022، ستحقق نوعاً من الاستقرار إلى حد كبير، لكن المحافظ ألمح إلى وجود أدوات أخرى تم إدخال بعضاً منها، فيما تستمر المحاولات بإدخال البعض الآخر والتي تتمثل بسحب السيولة من الجمهور عن طريق الصكوك الإسلامية أو السندات المضمونة ضد تقلبات أسعار الصرف.
مشيراً أن الإجراءات والإصلاحات تستمر بوتيرة عالية كما تأمل قيادة البنك، بعيداً عن التسويق غير الاقتصادي ومحاولة اجتراح بطولات على حساب الشعب الذي لابد أن يصارح أن هذه الإصلاحات ضرورية لأن من دونها لن تتمكن الحكومة من تأمين مرتبات الموظفين وخدمات الكهرباء التي تمثل الثقب الأسود في نفقات الدولة. في ذات السياق أشار أن البنك يسعى إلى استقرار سعر الصرف، فيما الوديعة ستوظف إلى جانب الموارد المتاحة عبر آلية المزاد إلى امتصاص العملة من السوق وتمويل نفقات الحكومة من مصادر غير تضخمية، حيث أوقف البنك جميع التمويلات من المصادر التضخمية، مشيراً إلى ان التمويل هنا يتم من مصادر حقيقية بعضها عبر المزاد من احتياطيات البنك المركزي، حيث تم سحب تريليون و170 مليار، ومعظمها أعيدت إلى السوق كنفقات للحكومة، أملٌ بتحقيق الاستقرار وبعض التحسن إذا استمرت الحكومة في إصلاحاتها من الدعم الدولي والإقليمي الموجود.
وعن الودائع السابقة، قال المحافظ: ربما كان هناك سوء إدارة لها في بعض الأوقات، لكنها قامت بدورها وقتها، وأوضح أن الوديعة الأخيرة التي أثير حولها الحديث واللبس حققت بعض الاستقرار لفترة ووفرت أيضاً الاستقرار التمويني للعديد من السلع في عموم الجمهورية مع وجود سعر الصرف التفضيلي وهو المأخذ الوحيد لأنه ضد التعامل الشفاف والتطبيق السليم للسياسات المالية.
ولفت إلى إن ما أثير حول الوديعة السابقة دفع الاخوة في دولتي السعودية والإمارات إلى تشديد الإجراءات في (وديعة المليار) وربطها بإصلاحات وهذا ما يتم فعلياً حيث يوجد برنامج للتعاون مع صندوق النقد العربي الذي يقوم بدور المشرف والرافعة الفنية لتنفيذ الشق الفني من مراقبة الإصلاحات، وأردف أن الدعم المقدم ليس مالي فقط، لكنه يشمل الجوانب الفنية بتوفير تدريب عالي للكادر في جميع المؤسسات، مع وجود مصفوفة سياسات ستُنفذ على مدى زمني محدد وبعد كل فترة زمنية ستتم مراجعة هذه الإجراءات وتقييمها من قبل الدولة المنفذة وصندوق النقد العربي.
وأشار المحافظ، إلى وجود مشاكل في سحب السيولة حيث كان التركيز على تمويل نفقات الحكومة بالطريقة السهلة دون وجود قيود أو معايير وهذا ما سبب انهيار سعر العملة الوطنية، فضلاً عن قرار سلطة الامر الواقع في صنعاء بعدم التعامل مع الطبعة الجديدة من العملة وهو ما أحدث انقسام في اقتصاد البلد، إذ إن كتلة كبيرة من النقود من العملة الجديدة لا يستوعبها %30 من اقتصاد البلد، بينما كتلة صغيرة وشبه تالفة تستحوذ على %70 من موارد البلد المحلية والخارجية، ومن جانب آخر فإن المجتمع الدولي لا يتعامل مع بنك مركزي صنعاء بل مع البنوك التجارية التي مراكزها الرئيسية في صنعاء.
وأوضح أن البنك سيكون له حديث مع منظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدولي والمانحين وسفراء الدول الخمس بشأن استعادة التحويلات عبر البنك المركزي اليمني، لافتاً إلى أن التزامات البنك أكبر من الموارد الموجودة لديه وهو ما يسبب عجز في الوفاء بالأشياء الحتمية والأساسية لتسيير نشاط البلد.
وأكد المحافظ على أن إنهاء الانقسام النقدي بتوحيد العملة المحلية من الأولويات، وذلك عبر توقف الطبع وتحديد العملة النقدية التي يستوعبها الاقتصاد، كما يأمل بتوحيد كافة مؤسسات الدولة خاصة الاقتصادية وترك القطاع المصرفي يعمل بحيادية وبمعايير العمل المصرفي دون تسيسه أو التدخل لتغليب وجهة نظر سياسية.
وقال محافظ البنك المركزي أن كل الصادرات النفطية لا تكفي لوقود كهرباء عدن التي اُستنزفت احتياطيات البلد من العملة الصعبة من تصدير النفط، مضيفاً أن عقب انتهاء المنحة السعودية النفطية تُصبح التزامات الكهرباء عبء على الدولة بسبب استخدام مادة الديزل باهظة الثمن فضلاً عن كونها ملوثة للبيئة.
وبحسب المحافظ فإنه يجب تصحيح الاختلال في هذا الجانب بشكل جذري، أو تحريره وتركه للقطاع الخاص للعمل فيه كما يحدث حاليًا في محافظات الجمهورية.
وأشار إلى أن البنك المركزي اليمني، خلال العام الماضي تكفل بالتزامات لم تكن موجودة من قبل مثل تمويل واردات الوقود بمبلغ 100 مليون دولار شهرياً، وعلاوة الطلاب والدبلوماسيين إلى جانب نقص المبالغ التي كان المركزي يتحصل عليها عن طريق القوات المشتركة كإكراميات للقوات المسلحة التي توقفت منذ شهر حيث كانت تمثل راتب كبير لتمويل عملية المزادات التي نمتص فيها العملة المحلية لتوفير جزء من العملة الصعبة لمستوردين المواد الأساسية.
وقال، أن البنك المركزي أستمر بتوفير المرتبات لكافة قطاعات الدولة بما فيها القوات المسلحة والأمن بالتزامن مع فقدان الرسوم الجمركية والضرائب لسفن الوقود التي ذهبت للحديدة وتقدر بـ 350 مليار ريال، وهي توازي في حجمها الشهري مرتبات القوات المسلحة والأمن بمبلغ (45-50) مليار شهرياً، حيث تحمل البنك المركزي بتوفيرها، وما ضاعف الالتزامات ايضاً ضرب المنشآت النفطية حيث تم فقد منذ شهر ابريل حتى نهاية العام مليار دولار وفعلياً هذا هو حجم عجز الموازنة للعام 2022.
ووفق حديث المحافظ، فإن المخطط المرسوم كان في عام 2022 والتوقعات تقترح الوصول لعجز رمزي فقط، غير أن عامل الهدنة وذهاب كبير من الإيرادات على خزينة الدولة وتوقف تصدير النفط تسبب بحدوث عجز هائل.
حدد محافظ البنك المركزي، عدة خطوات لحل الأزمة من بينها العمل على تحصيل الموارد الذاتية، وإعادة تصدير النفط، والقيام بإصلاحات حقيقية في جوانب الإنفاق. وقال إن تعظيم فائدة الانفاق له جدوى ومردود إيجابي يساعد في توفير خدمة للمواطنين أو ترقية المنشآت وتعزيز النمو، لكن الوقوف ساكناً ليست سياسة حكيمة، لافتاً إلى ان المطلوب هو مواصلة الإصلاحات بكل قوة وجهد وبقدر ما يتحقق من دعم للاستمرار في عملية التعافي والإصلاح المنشود.
وختاماً وصف المحافظ، الحرب بأنها أكبر كارثة حلت على اليمن مع ما يترتب عليها من سياسات وتضاد من انقسام وهشاشة المؤسسات والانقسام النقدي، إلى جانب هجرة الكثير من الكوادر والمؤسسات، بالإضافة لتوقف الاستثمار. وجدد المحافظ الأمل بتحقق السلام للمضي قدماً والوصول إلى استقرار حقيقي ينعكس على الوطن والمواطنين.